فن التشكيل بالمينا "إينيمِل" في مصنع جيجر- لوكولتر

الاثنين 20 نيسان 2015

فن التشكيل بالمينا


لفترة من الزمن تمتد 180 عاماً، قام المعلمون الحرفيون في "الدار العظيمة" بتأصيل و تهذيب خبراتهم و تكريس أنفسهم بكل إخلاص لإعادة ابتكار هذه الخبرة الطويلة، و إثرائها من خلال إدخال تقنيات جديدة أو تقديم طرائق مستحدثة. و هكذا يترابط الماضي بالحاضر بروابط لا تنفصم عُراها كسلسلة تتشكل حلقاتها من الأوجه الجمالية و التقنية التي تتميز بها حرفتهم. من بين 40 مهنة تُمارس في المصنع، يتم تعزيز عمل الموهوبين من حرفيي الساعات المعلمين بمهارات الحفر و النقش، التشكيل بالمينا، و ترصيع الأحجار الكريمة.

 
 
لاتزال هذه الحِرَف اليدوية النادرة التكميلية الوسائل الأعرق للقيام بالأعمال الزخرفية التزينية الأساسية على الساعات منذ القرن السابع عشر، و الآن تمارس بقمة الاتقان داخل ورشات العمل في جيجر- لوكولتر.


التشكيل بالمينا (إينيمِل) - لمحة تاريخية


تحيط بهذا الفن هالة من الخلود و ذلك لديمومة الألوان و استقرارها، إضافة إلى القيمة الفنية العالية للرسم المنمنم بالمينا. يصعب كثيراً التنبؤ بالتشكيل النهائي للعمل الفني بالمينا و ذلك بسبب عملية الشيّ بالفرن الحراري التي تلي الطلاء، و لأن نقطة الانصهار للألوان المستخدمة تختلف من لونٍ إلى آخر.
يتطلب فن التشكيل بالمينا الكثير من الصبر، فإعادة تشكيل لوحة على مساحة لاتتجاوز بضع سنتيمترات مربعة تستغرق أسابيعَ من العمل و التركيز. علاوة على ذلك، تنطوي كل عملية أو مرحلة من الشيّ بالفرن الحراري على مخاطرة إلغاء كامل العمل المنجز حتى تلك المرحلة و العودة إلى نقطة البداية من جديد.


إن التشكيل و الرسم بالمينا واحدٌ من أندر الفنون القديمة التي تعود إلى آلاف السنين، حيث تعود الآثار الأولى للمنتجات المطلية بالمينا إلى القرن الخامس قبل الميلاد في مناطق البحر الأبيض المتوسط و خاصة في جزيرة قبرص و في مصر. لقد بدأت التقنية التي يُصاغ بها التشكيل بالمينا - التي تتضمن وضع مادة المينا في قطاعات مفصولة بحواجز - باتخاذ طابعها اعتباراً من القرن السادس الميلادي. أما طريقة التشكيل المفرّغ بالمينا فقد ترسخت في الغرب في القرن الثاني عشر، و هي عبارة عن تطبيق المينا على صفيحة معدنية عليها "قطاعات" نافرة عنها تلتحم مع بعضها البعض خلال وضعها في الفرن الحراري، و في نفس تلك الفترة من الزمن أصبحت تطبيقات مادة المينا الشفافة أوسع انتشاراً، بينما لم تكن كذلك حتى ذلك الوقت.


ظهر الطلاء المنمنم بالمينا تلقائياً في القرن الثامن عشر، باستخدام فرشاة ناعمة، غالباً ما تكون ذات شعرة واحدة، يتم تطبيق الألوان بلمسات متعاقبة على قاعدة من المينا الأبيض. و بدأت هذه التقنية بالانتشار في سويسرا حيث أرست جنيف نفسها كعاصمة عالمية للوحات المصغرة المشكلة بالمينا. و هكذا بدأ فن التشكيل بالمينا يقترب و يترافق مع فن صناعة الساعات، و قد أسفر اللقاء بين هذين الشكلين من الفن التعبيري عن أكثر الإبداعات الساعاتية رقيّاً في القرنين الثامن عشر و التاسع عشر. إن فن التشكيل بالمينا من الصعوبة بمكان للوصول إلى مرحلة إتقانه، و تنحو الدائرة الضيقة للحرفيين الفنانين المتخصصين في (تشكيل القاعدة بالمينا الأبيض، الديكور و التزيين، التعامل مع الشي بالفرن الحراري، الإنهاءات المتموجة) إلى أن تصبح أصغر، كما كان الحال مع صُنّاع الساعات الذين ينتجون مكونات حركة الساعة في ذلك الوقت.



حوالي 1890. ساعة جيب - لوكولتر كاليبر19/20RMS


تحمل ساعة الجيب الحقيقية المذهلة هذه تصويراً لمهراجا بورباندار (1867- 1908). تعطي هذه الصورة الشخصية المنمنمة انطباعاً بالعمق و لمعاناً يوضح جميع التفاصيل، و قد نُقِشَ قفص الساعة المصنوع من الذهب الأصفر بطريقة فنية و كذلك عن طريق الطرق للحصول على نقشٍ نافر، كما تتميز بحافتها الحافلة بالزهور الملونة بطريقة التشكيل بالمينا.


1936 - ريفيرسو مع صورة شخصية لجميلة هندية مشكلة بالمينا - جيجر- لوكولتر كاليبر410


أضفيَ عليها الطابع الشخصي من خلال صورة سيدة هندية لازال الغموض يكتنف قصتها، يعود هذا الموديل إلى عام 1936 و يعتبر دليلاً دامغاً على الجمال الذاتي للتشكيل بالمينا و على ديمومته. تُظهِرُ الصورة المنمنمة المتعددة الألوان أصغر تفاصيل الوجه، الشعر و نسيج الثوب، و لاتزال بشكل مذهل تبدو كأنها جديدة للتو. إن حيوية الألوان فيها تنشد أنغاماً معبرة عن ثراء التراث الزخرفي في الثقافة الهندية. من الجدير بالذكر أن وجه الساعة قد شُغِلَ بطريقة التشكيل بالمينا الناري - غراند فو إينيمِل.



حوالي 1900. ساعة قلادة - طراز "ليبين" - لوكولتر كاليبر 9HPV


تتميز هذه الساعة القلادة المجوهرة المصنوعة من الذهب الأصفر بوجود ما يبدو مثل البروش "دبوس صدر" على شكل شريط مزين بديكور نافر يظهر تحت مادة المينا الشفافة. أما قفص الساعة المشغول بدقة مع ديكور منقوش و نافر فقد اجتمعت عليه مهارات و مواهب صائغ الأحجار الكريمة، حرفي النقش و حرفي التشكيل بالمينا. كما أضيفَ نقش تشكيلي ليبرز عمق الرسم الملتف، بينما زُيّنَت الصورة الأنثوية المنمنمة المشكلة بالمينا بترصيع من ماسات مقطوعة على طراز الوردة. وجه الساعة الذهبي منمق بنقش نافر و مزين بتشكيل المينا البراق. يطوف على وجه الساعة عقاربٌ من طراز لويس السادس عشر، و تتشكل الحلقة الفاصلة على الوجه من قطاعات مشغولة بالمينا الأبيض تحمل أرقام الساعات العربية المطلية بالمينا الأزرق اللون.


فن التشكيل بالمينا في الوقت الحاضر


لم يعد هذا الفن يُدرس في المدارس الفنية، بل يتم تعلمه و إتقانه من خلال دائرة حصرية من الفنانين الحرفيين الذين يعملون لترسيخ و ديمومة براعتهم و خبراتهم من جيلٍ إلى الجيل الذي يليه. "لقد قمت بتأسيس المشغل عام 1996، - يقول المعلم الحرفي للشغل بالمينا في جيجر- لوكولتر ميكلوس ميرتشيل - و قبل ذلك كنت أعمل كساعاتي هنا في مصنع جيجر- لوكولتر. لقد كنت وحدي لعدة سنوات، و الآن بإمكاننا أن نرى المزيد و المزيد من جيل الشباب المهتمين بتعلم هذه الحرفة". الصمت من ذهب في الورشة الخاصة بحرفة التشكيل و الطلاء بالمينا، فمن خلال ممارستهم البارعة للتقنيات القديمة يكرسون أنفسهم لاستدامة هذه المهارة الحصرية التي تدخل السرور إلى قلوب الشغوفين بصناعة الساعات الراقية.


"إن الوقت اللازم لإنهاء قطعةٍ واحدة يتراوح بين يومٍ واحد للتشكيل بالمينا متعدد الألوان لوجه ساعة "توربيون - خارطة العالم" إلى أسبوع يستغرقه طلاء منمنم بالمينا أو 160 ساعة عمل لتصميم يحتوي على صورة لبجعات. هناك صعوبة في كل خطوة و في كل مرحلة، و نحن نتعلم من الأخطاء، نعيد اختراع كل تقنية مستخدمة، كما نعيد تفسيرها بطريقتنا. أما اللحظة الأكثر متعةً فهي عندما نحصل على النتيجة التي تمنيناها، حتى لوكانت قطعة بسيطة" - ذلك ما يقوله ميكلوس.


فيما يخص العمل على الموديل الجديد لعام 2014، ساعة "ماستر غراند تراديسيون آ كوانتييم بيربيتويل 8 أيام إس كيو"، يقوم حرفي المينا بتزيين الحلقتين المصنوعتين من الذهب الأبيض، الأولى تزين وجه الساعة و الثانية تحيط بالغطاء الخلفي لقفص الساعة. البداية تكون بالحفر يدوياً و بدقة عالية، و بعد ذلك تتم التغطية بالمينا الأزرق الشفاف باستخدام طريقة التفريغ بالحفر بالإزميل و الشيّ بالفرن الحراري. يبدأ معلم حرفة التشكيل بالمينا ميكلوس ميرتشيل و فريقه بتطبيق مادة المينا على سطح القطعة باستخدام فرشاة رسم صغيرة جداً، و بعد ذلك توضع القطعة بشكل متكرر في الفرن الحراري حتى الحصول على اللون الأزرق المنشود. تنطوي كل عملية إدخال إلى الفرن، حيث تصل درجة الحرارة إلى 800 و 820 درجة مئوية، على المجازفة بالعمل الفني لأن الحرارة المتقدة عالياً يمكن أن تؤدي إلى التشقق أو إلى وجود شوائب غير مرغوبٍ بها. في المرحلة التالية تُصقل القطعة بعناية باستخدام مسحوق الماس. يتطلب التشكيل بالمينا دائماً الكثير من الصبر، حيث يحتاج أكثر الحرفيين خبرة في المصنع إلى يومين من العمل لإنجاز الحلقتين اللتين تحيطان بوجه الساعة، و بحركتها.


تُعَدُّ ساعة "ماستر غراند توربيون إينيمِل" لعام 2013 تحفة في مجموعة الساعات المجوهرة الراقية، تتميز بزجاجة مصنوعة من الكريستال السافيري مزينة برسمٍ منمنم مصغر مطبق باستخدام تقنيةٍ مستحدثة. تزيّن طيور الكركي، و هي رمز للعمر المديد، وجه الساعة و تحيط بها أغصان الخيزران (البامبو) التي رُسِمَ بعضٌ منها مباشرة و بكل دقة على زجاجة الكريستال السافيري لساعة "ماستر غراند توربيون إينيمِل"، و هكذا فإن زجاجة الساعة تشكل صدى لوجه الساعة المشغول بالمينا، مما يعطي انطباعاً استثنائياً شاملاً بالعمق و الحجم. يتم إنجازالعمل التزييني المضفر على وجه الساعة المصنوع من الذهب الأبيض و من ثم يُغطى بمادة المينا الشفافة مع ظلال لونية زرقاء. بعد ذلك يقوم الفنان برسم معالم المشهد المتعدد الألوان و يضع القمر المتألق المُشَكل من رقاقات فضية. و بعد الانتهاء من عملية وضع القطعة في الفرن الحراري لتثبيت الألوان، يعمل حِرَفي المينا بطريقة "بلانك دو ليموج - نشر مسحوق زجاجي أو من مادة المينا و من ثم تذويبها حرارياً" فيقوم بتطبيق طبقاتٍ مختلفة بهدف تشكيل الطيور لإعطائها مظهراً حيوياً، ثم يقوم الحرفي الفنان بإعطاء لمسة لونية لمجموعة من العناصر الصغيرة مثل ريش الطيور و انحناء الرقبة. تعطي هذه الدفقات اللونية انطباعاً حيوياً للتصميم المنقوش. و بهدف إحداث تأثيرٍ أكبر بالعمق، يضيف الفنان عناصر تصميمية مصغرة إلى زجاجة الساعة المصنوعة من الكريستال السافيري و التي تغطي وجه الساعة و يقوم بتعريضها إلى الحرارة لتثبيت الألوان. و في النهاية هناك عملية التناغم بين هذا التشكيل الاستثنائي بالمينا مع ترصيع متميز بالأحجار الكريمة.


www.jaeger-lecoultre.com





أحدث الأخبار السبّاقة