كيف يصبح الادخار ثقافة ؟

الثلاثاء 31 أيار 2016

كيف يصبح الادخار ثقافة ؟

 

بقلم  محمد قاسم العلي، الرئيس التنفيذي لشركة الصكوك الوطنية .

 

كيف يصبح الادخار ثقافة ؟

 

ليس من السهل إقناع الناس بمصالحهم أو بما ينفعهم من سلوك وما يضرهم منه. المقولة التقليدية بأن البشر يدركون بلا وعي مصالحهم ويلتزمون بها لم تعد كافية وحدها لتصويب السلوك البشري.

 

الكثير من الثقافات تتداخل وتتقاطع في مساحة الوعي، وأكثر هذه الثقافات وأقواها تأثيراً على ممارساتنا تأتينا من مصادر تشترك في مصلحة واحدة وهي تعزيز قيم الاستهلاك وتغييب قيم الادخار.

 

فكيف نختار ثقافتنا المالية بدقة، وكيف نقيس ممارساتنا المالية بمعايير الأمن المالي والاستقرار العائلي والاجتماعي؟

 

 الادخار ثقافة ممكنة:

يجب أن نكون أكثر موضوعية في اختيار توصيفاتنا لمسلكياتنا المالية. الحرمان، التقشف، القسوة على الذات، كلها مفردات يتم اسقاطها عنوةً على السلوك المالي الرشيد.

 

بالإضافة إلى جملة من الأمثال التي رافقتنا في جميع مراحل نشأتنا:" إصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب" على سبيل المثال لا الحصر.

 

لا يمكن تغيير السلوك المالي بدون تغيير هذه الثقافة التي تتناول الادخار بسلبية، هناك جملة كبيرة من الأمثال والحكم من مختلف الثقافات تتحدث بإيجابية عن الادخار. فلنبحث عنها.

 

التبرير:

غالباً ما نلجأ لتبرير مسلكياتنا الخاطئة أمام ذواتنا. نحن ندرك أننا نخطىء لذلك نلجأ للتبرير، فعندما نهّم بصرف بعض المال في غير مكانه، نقول: "هذه المرة الأولى والأخيرة ولن نكررها"، أو نقول:" نحن نكافىء أنفسنا مقابل ما نقدمه من جهد في جني المال"، أو "أن هذا المبلغ لن يفقرنا إذا أنفقناه ولن يغنينا إذا وفرناه".

 

والحقيقة أن السلوك الخاطىء لا يقاس بعدد المرات، هي مرة واحدة ثم يتحول إلى إدمان. أما مسألة مكافأة الذات، فهي حق لكل شخص، لكن يمكن لهذا الحق أن يتم في إطار خطة الادخار وليس خارجها.

 

ومسألة أن هذا المبلغ لن يغنينا أو يفقرنا، فلنتذكر دوماً أن أكبر مبلغ من المال مكون من وحدات بسيطة ومبالغ قليلة تراكمت ثم تحولت إلى ثروة.

 

لنفكر دائماً بالمستقبل ولنسعى ليكون هو المكافأة وليست اللحظة التي نحياها فقط.

 

الصبر أصل الحكمة:

 

القرارات المالية الصائبة تحتاج إلى تفكير وتأنٍ، لكن تخيلوا لو أن التفكير صار عدونا في مرحلة ما. التفكير وقت، والوقت ترف لا نملكه، هكذا يراد لنا أن نعتقد من قبل ثقافة السوق، وهكذا يراد لمسلكياتنا أن تكون في نمطيتها منسجمة تماماً مع دورة الاستهلاك: سرعة في القرارات وغياب للحكمة، حتى أن مراجعة الذات لمسلكياتها تصبح في مرحلة ما ترفاً لا نملكه.

 

هذا ليس سوى وهم أما الحقيقة فهي عكس ذلك لمن جربها ولمس نتائجها.

 

كن كما تتمنى، كن أنت النموذج:

 

التقليد ومجاراة الآخرين في سلوكيات الاستهلاك آفة اجتماعية يجب مراجعتها بدقة. نتأثر بسلوك الآخرين خاصةً أولئك الذين يغالون في الصرف والاستهلاك، نسعى لمجاراتهم وتقليد ما يفعلون، وكأن التبذير أصبح قيمة اجتماعية حميدة.

 

في المقابل بيننا وبين أنفسنا ندرك أن المبذرين ليسوا قدوة وليسوا نموذجاً. في لحظات التعمق في التفكير، نتمنى أن نكون شيئاً آخر ومختلفاً عنهم، شيئاً له قيمته وفرادته، لكن المحيط يضعف إرادتنا أحياناً فنتبع نماذج تضرّ بمصالحنا وبقيمنا.

 

ليس من الصعب أن نكون كما نتمنى: أقوياء أمام المغريات، حكماء في السلوك والقرار. كل ما نحتاجه هو الثقة بالنفس لنكون نحن النموذج.


 لنضع خطة ادخار نستطيع الالتزام بها:

 

خطة الادخار تحتاج لدراسة شاملة عن احتياجاتنا الشهرية الثابتة، نحتفظ بمبلغ من المال يوازي هذه الاحتياجات، ثم نضيف عليه نسبة لا تزيد عن 20%، أي كل 1000 درهم نضيف عليها 200 درهم. هذا الإضافة للإحتياجات غير الثابتة، مثل شراء الملابس، هدايا للمناسبات، زيارات للأصدقاء...

 

وهكذا تصبح خطة الادخار ممكنة وشاملة للطوارىء والمستجدات في نفس الوقت بحيث يكون الالتزام بها ممكناً. أما وضع خطة ادخار غير منطقية فستكون نتيجتها الخروج عن الخطة ومن ثم يصبح عدم الالتزام عادة لها مبرراتها وهنا يكمن الخلل في الكثير من الخطط التي يضعها الناس.

 

 لنضع هدفاً سامياً للادخار:

 

الأهداف العظيمة تشحذ همتنا، تحفزّنا على الالتزام بخطة لتنفيذها وتمنعنا من لحظات الضعف أو التراجع. مدى قناعتنا بالأهداف التي نسعى إليها من خلال الادخار لغدنا وأبنائنا، لتقاعدنا، لتحقيق رغباتنا في أن تكون سنوات التقاعد آمنة نستطيع أن نحقق فيها ما نريد، نسافر، نزور اماكن لم نزرها من قبل...

 

بالادخار يصبح غدنا أكثر جمالاً، لكن بدون ادخار سنضع نهاية لهذه السعادة لأننا لم نستعد جيداً ولم نعمل لتحقيقها.


شارك الآخرين تجربتك وتعلم من تجاربهم:

 

الكثيرون منا يمتلكون تجربة مريرة مع القروض والديون وضيق الحال، كيف تغير هذا الواقع ليصبح أكثر أمناً وأخف ثقلاً؟ من المهم أن نشارك الآخرين تجربتنا، ليعلموا أن ما يحلمون به ممكن، وليتعلموا من أخطائنا ونتعلم من اخطائهم.

 

ولنتذكر دوماً في أحاديثنا أن نقارن بين ما أصبحنا عليه بالادخار وبين ما كنا نعانيه من الديون ولا نلجأ للنكران فقط لأننا نخشى من الاعتراف بأخطائنا.

 

نكران التجربة هو نكران لدروسها وعبرها ونكران لثقافتها، أما الاعتراف بها فهو تعبير عن وعينا بالتغيير الذي حققناه بجهودنا نحو الأفضل.