نموذج جديد للعمارة البحرية

الخميس 18 كانون أول 2025

نموذج جديد للعمارة البحرية

 .تعيد منصة عائمة ابتكارالعمارة البحرية في رؤية محسن لائي للتنمية التجديدية

في ظلّ التحديات المتسارعة التي تواجه كوكب الأرض، من تغيّر المناخ إلى ندرة الموارد وتدهور النظم البيئية البحرية، يقدّم المصمّم محسن لائي تصورًا طموحًا لمنصة عائمة مستدامة تشكّل نموذجًا جديدًا للعمارة البحرية التجديدية، يجمع بين زراعة الطحالب على نطاق واسع، وإنتاج الطاقة المتجددة، وتحلية المياه العذبة، واستعادة الحياة البحرية ضمن نظام متكامل ومكتفٍ ذاتيًا.

المشروع، الذي رُشّح لنيل جائزة الغران بري ضمن الدورة الخامسة عشرة لمسابقة العمارة والابتكار لعام 2025 التي تنظمها مؤسسة جاك روجيهري، لا يكتفي بتقديم حل تقني، بل يطرح رؤية مستقبلية لإعادة تعريف علاقة الإنسان بالمحيط، من خلال بنية عائمة قابلة للتوسّع والتحوّل إلى مجتمعات بحرية مترابطة.

الطحالب كمحرّك بيئي واقتصادي

تشكل زراعة الطحالب العمود الفقري لهذا المشروع. إذ تعتمد المنصة على شبكات عائمة ومغمورة مصنوعة من مواد معاد تدويرها (PET المعاد تدويره)، تُستخدم لزراعة الطحالب الكبيرة والدقيقة. وتؤدي هذه الطحالب دورًا بيئيًا مزدوجًا، فهي تمتص ثاني أكسيد الكربون، وتطلق الأوكسجين، وتساهم في الحد من حموضة المحيطات، فضلًا عن عملها كشعاب اصطناعية تعزز التنوع البيولوجي البحري.

أما الكتلة الحيوية الناتجة، فيُعاد توظيفها ضمن اقتصاد دائري منتج، حيث تتحول إلى وقود حيوي، ومكمّلات غذائية، ومنتجات صيدلانية، ومواد بلاستيكية حيوية قابلة للتحلل، ما يمنح المشروع بعدًا اقتصاديًا مستدامًا إلى جانب أثره البيئي.

طاقة متجددة ومياه عذبة بلا انبعاثات

تم تصميم المنصة لتعمل كنظام مستقل بالكامل في إدارة الطاقة والمياه والنفايات. إذ يتم توليد الكهرباء من خلال مزيج من محوّلات طاقة الأمواج المزوّدة بعناصر خفيفة الوزن، إلى جانب ألواح شمسية مدمجة في البنية العلوية. ويتيح هذا الدمج تشغيل المنصة اعتمادًا كليًا على مصادر طاقة متجددة.

أما المياه العذبة، فتؤمَّن عبر أنظمة تجميع مياه الأمطار ومحطات تحلية تعمل بالطاقة الشمسية وطاقة الأمواج، ما يجعل المنصة قادرة على تلبية احتياجاتها من المياه من دون الضغط على الموارد الساحلية.

في موازاة ذلك، تُعالج النفايات العضوية بواسطة الهضم اللاهوائي لإنتاج الغاز الحيوي، الذي يُستخدم كمصدر إضافي للطاقة، فيما تُعاد المياه الغنية بالعناصر الغذائية إلى دورة زراعة الطحالب. كما تعتمد المنصة أنظمة آلية لجمع النفايات البحرية وإعادة تدويرها، مساهمةً في تنظيف المحيطات.

عمارة مستوحاة من الطبيعة وقابلة للتوسّع

من الناحية المعمارية، تتخذ المنصة شكل بنية عائمة منخفضة الارتفاع، مؤلفة من وحدات معيارية، بهياكل من الفولاذ المقاوم للتآكل والألمنيوم، ومغلفة بواجهة شفافة شبه عضوية من مواد حرارية معاد تدويرها. ويستمد التصميم هندسته من أشكال الشعب المرجانية وحركة الأمواج، في انسجام بصري ووظيفي مع البيئة البحرية.

وتعتمد المنصة نظام توازن ذكي يتكيّف مع تغيّر الظروف البحرية، إذ ترتفع أثناء العواصف وتنخفض في الأجواء الهادئة لتعزيز الاستقرار والكفاءة. كما يسمح التصميم بربط وحدات متعددة معًا لتشكيل شبكات عائمة أكبر، ما يفتح المجال أمام التوسّع التدريجي.

من منصة إنتاج إلى مجتمعات محيطية عائمة

إلى جانب دورها الإنتاجي، تحتضن المنصة مختبرات بحثية، ومتحفًا بيئيًا، وورشًا تعليمية، ومركزًا للزوار، يركّز على التوعية بقضايا حماية البحار، والطاقة المتجددة، والتكنولوجيا الحيوية للطحالب. وعلى المدى البعيد، يتصوّر المشروع تحوّل هذه المنصات إلى مجتمعات عائمة مترابطة قادرة على توفير الغذاء والطاقة وفرص العمل، وربما السكن، في نموذج تنموي إيجابي مناخيًا.

بهذا المعنى، لا يقدّم مشروع محسن لائي مجرّد منصة عائمة، بل يطرح نموذجًا حضاريًا جديدًا للتنمية في البيئات الساحلية والمحيطية، حيث تلتقي الابتكارات التكنولوجية مع العمارة المستدامة، في سبيل إعادة التوازن بين الإنسان والمحيط.