التوطين في دولة الإمارات ليس مجرد إجراء روتيني

الاثنين 31 أيار 2021

التوطين في دولة الإمارات ليس مجرد إجراء روتيني
تشجّع الحكومة الإماراتية الشركات الدولية على الاستثمار بمعرفتها وخبرتها في الدولة بعد رفع القيود عن الاستملاك الأجنبي، مما يفسح المجال أمام المستثمرين لامتلاك الشركات بشكل كامل في الإمارات.
 
وساهم استقدام الخبرات والقوى العاملة الوافدة في تعزيز النمو السريع لمدن أصبحت مراكز ووجهات عالمية كدبي وأبوظبي. ونتيجةً لذلك، أصبح عدد الشركات الأجنبية وقواها العاملة اليوم أكبر بكثير من نظيراتها المحلية على اتساع رقعة الدولة، مما جعل من التوطين سياسةً ضروريةً يتوجب على جميع الشركات في الإمارات تطبيقها كنوع من رد الجميل للدولة التي وفرت لهم العديد من الفرص، ولدعم الجيل القادم من رواد الأعمال المحليين.
 
وتعد هذه الخطوة من أهم مؤشرات تحقيق الدولة لرؤية الإمارات 2021؛ حيث نلحظ في سيركو الاهتمام الكبير الذي توليه الحكومة لتدريب مواطنيها والاستثمار في تأهيلهم عبر مختلف الميادين، فضلاً عن سنها للأحكام والقواعد الناظمة للأعمال والمهام وتوفير الحوافز التي من شأنها زيادة أعداد المواطنين الإماراتيين، ممن يملكون الإمكانات والمهارات العالية، ضمن قواها العاملة؛ لا سيما في القطاع الخاص. 
 
ودعماً لهذه المساعي، أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في عام 2019 عن خطة الحكومة لتوفير 20 ألف فرصة عمل للمواطنين الإماراتيين في القطاع الخاص بحلول عام 2023، خاصةً في قطاعات المصارف والطيران والاتصالات والتأمين والعقارات لمواكبة خطة الدولة المتمحورة حول تعزيز الاقتصاد وتنويعه. 
 
ولضمان سيرها على الطريق الصحيح بما يخص جهود تحقيق التوطين، يتعين على شركات القطاع الخاص اتباع الخطوات التالية: 
 
تحديد المشكلة 
تكمن المشكلة في توجه الكثير من المؤسسات إلى اعتبار سياسة التوطين مجرد إجراء روتيني بسيط، حيث تلتزم باللوائح الحكومية أو بنود التعاقد عند توظيف المواطنين، لكنها بذلك تبتعد عن المفهوم الأساسي للتوطين. إذ أن توظيف شخصٍ لمجرد تطبيق اللوائح الحكومية أو شغل منصب ينتقص من المواهب والقدرات الموجودة في قطاع العمل، ويبتعد عن الهدف الأساسي للتوطين المتمثل في تطوير الكفاءات المحلية.
 
المنهجية المناسبة
في ضوء هذه الممارسات، أصبح من الضروري التعامل مع التوطين بطريقة لا تقتصر على سعي الشركات لتحقيق أهداف التوطين المحددة لها فحسب، بل تعزز الاستثمار في المواهب المحلية التي يتم توظيفها. ولذا ينبغي للشركات الحرص على تطوير موظفيها من المواطنين والسعي الجاد لبناء قوة عاملة وفريق إدارة مستقبلي مكون من مواطنين بارعين ومتمرسين ومؤهلين.
 
a. التدريب عامل حاسم
يعدّ التدريب من العوامل بالغة الأهمية، وهو من أكثر جوانب سياسة التوطين التي يتم إغفالها. فتجاهل التدريب والتطوير هو جنوح بعيد عن المفهوم الأساسي للتوطين وإساءة كبيرة للدولة التي احتضنت هذه الشركات ووفرت لها سبل النجاح والربح الوفير. إذ سيساعد بذل الجهد والوقت في اختيار المواطنين المناسبين للمناصب المناسبة والاستثمار في تطويرهم وتدريبهم وتأهيلهم على تعزيز قدراتهم على المساهمة في نمو الشركة وتعميق مشاركتهم في سير العمل وتنفيذ رؤية الشركة. إذ أن الشركات التي تستثمر في موظفيها تحقق نجاحاً أكبر بكثير من تلك التي تتعامل معهم على أنهم مجرد أرقام، وهو ما ينطبق بدوره على إجراءات التوطين. إضافة إلى ذلك، سيساعد الاستثمار في التدريب والتطوير على خفض معدلات الاستنزاف ودعم تحقيق الأهداف النسبية للتوطين، والتي سيستمر سقفها بالارتفاع حتماً كلما اقتربت الشركات من تحقيقها وفقاً للرؤى المختلفة لدول الشرق الأوسط. 
 
b. دعم الشركات الحكومية 
يمكن للشركات دعم عملية التوطين بسبل أخرى سوى توظيف المواطنين مباشرة فيها. فعلى سبيل المثال، إذا أرادت شركة تقديم خدمات لشركة بأغلبية وطنية أو حتى حكومية، يمكنها اعتماد برنامج مشابه لنموذج "تحويل، تدريب، نقل" الذي صممته شركة سيركو الشرق الأوسط وطبقته مرات عديدة. ويعمل هذا النموذج على توظيف خبرات سيركو وقدراتها العالمية لنقل العمليات التشغيلية إلى شركة العميل وتقديم تدريب شامل للمواطنين فيها. 
ويسمح هذا التدريب لشركة العميل وموظفيها من المواطنين بمواصلة العمل وفق أعلى المعايير العالمية بالاستفادة من التزامات سيركو التعاقدية تجاهها، حيث يتم نقل كل المعلومات التشغيلية والتجهيزات والتدريبات والشهادات والمؤهلات إلى شركة العميل. وتتيح هذه المنهجية تطبيق عملية التوطين بالوكالة عبر تطوير وتدريب مواطني الشرق الأوسط على العمل بمستويات وأساليب عالمية، وتزويدهم بالأدوات والمهارات الضرورية ليتمكنوا من العمل بشكل مستقل دون الحاجة إلى دعم أو تدخل إضافي من الشركات العالمية.
 
c. استقطاب المهارات الوطنية إلى القطاع الخاص
قد تحظى وظائف القطاع العام بجاذبية أكبر بكثير من وظائف القطاع الخاص بالنسبة للمواطنين، ما يجعلها عقبة في طريق توطين القطاع الخاص. ويعود ذلك إلى الشعور بالواجب الوطني المتمثل في أن الالتزام بالعمل في القطاع العام يسهم في دعم الدولة بشكل مباشر من جهة، وإلى اتباع شركات القطاع الخاص باستمرار لمنهجيات ضعيفة في التدريب والتطوير من جهة أخرى. 
 
ويكمن الحل في تعزيز التعاون والتفاعل بين موظفي القطاع الخاص والمؤسسات التعليمية وواضعي السياسات منذ المراحل المبكرة. وأمّا بالنسبة للقطاع الخاص، فلا بد من تسليط الضوء على المسارات الوظيفية التي يزخر بها القطاع وضمان إطلاع الطلاب على أنواع الوظائف التي توفرها الشركات الخاصة، ما يُسهم في دعم الدولة بشكل غير مباشر. 
 
وإضافة إلى ذلك، تُعد الخبرات العملية من العوامل ذات الأهمية الكبيرة؛ إذ يُمكننا مثلاً من خلال مبادرات كبرنامج سيركو للدراسات العليا، الذي يتيح للطلاب فرصة تجربة العمل في مجالات وأقسام مختلفة في الشركة على مدى ستة أسابيع، أن نُعمق تجربتهم ونلفت انتباههم إلى الفرص المتعددة المتوفرة في القطاع الخاص. إلى جانب ذلك، تقدم برامج سيركو المخصصة للتوطين والدراسات العليا نموذجاً وإطاراً تنظيمياً للتدريب والتطوير المستمرين للمواطنين، وتُتيح برنامجاً يعمل بنظام التناوب بحيث يسمح للخريجين فرصة اكتساب الخبرات من خلال أداء أدوار وظيفية وداعمة وتعاقدية ليستكشفوا أكثر المجالات التي يتميّزون بها. 
 
ويتمثل الهدف الأسمى لحكومات المنطقة في إنشاء قوة عاملة وطنية تتمتع بمهارات ومعارف وخبرات مستدامة. وأصبح دعم رؤية توطين المناصب المهمة في الشركات إلى جانب مشاركة الخبرات والمعارف بنجاح مع الآخرين عاملاً بالغ الأهمية، في ظل تراجع الاعتماد على شركات الوافدين وقواها العاملة. ولأن التوطين عملية أعقد من مجرد إجراء روتيني بسيط، فإن الاستثمار في المواطنين وتدريبهم وتطويرهم إلى جانب مشاركة المعارف والخبرات مع الشركات المحلية يسهم في دعم الأهداف التي تسعى حكومات المنطقة إلى تحقيقها. وخلاصة القول، إن أمام المنطقة مستقبل مشرق، ويجب على سيركو، بصفتها شركة عالمية أو وافدة، الاستمرار في دعم رؤى الحكومات ورفد مسيرة نمو هذه المنطقة المزدهرة.