تاريخ أستون مارتن العريق في سباقات الجائزة الكبرى يجسد روح المنافسة العالية

الأربعاء 09 كانون أول 2020

تاريخ أستون مارتن العريق في سباقات الجائزة الكبرى يجسد روح المنافسة العالية

يعد سباق جائزة بلجيكا الكبرى للسيارات الرياضية في عام 1946 خطوة مهمة بالنسبة لطموحات أستون مارتن الخاصة بسباقات السيارات على الرغم من أنه لا يندرج من الناحية الفنية ضمن إطار سباقات السيارات عالية السرعة.

وكانت سباقات السيارات في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية أمراً أساسياً إلى حد ما وفقاً لمعايير التكنولوجيا المتقدمة والتطور المستمر الذي نشهده حالياً. ولم تكن الكثير من السيارات المتنافسة على الألقاب بعد أقل من عام على انتهاء الحرب جديدة تماماً.

وكانت سيارات سباق سبيد موديل من أستون مارتن التي تم إنتاجها قبل الحرب لا تزال تتمتع بإمكانيات تنافسية، لذلك فلم يكن من المفاجئ رؤية إحدى سيارات سباق أستون مارتن من عام 1936 بسعة 2.0 ليتر الشهيرة آنذاك خلال منافسات سباق جائزة بلجيكا الكبرى للسيارات الرياضية في عام 1946، والذي أقيم في 16 يونيو على مسار مؤقت يُحاذي منتزه بوا دو لا كامبري في العاصمة البلجيكية بروكسل.

وشهد هذا السباق بزوغ نجم واحد من ألمع السائقين الذين ارتبطت أسماؤهم مع العلامة وهو سانت جون راتكليف ستيوارت هورسفول، والذي كان يشتهر بلقب "جوك".

ودخل جوك، وهو أحد الأبناء الستة لإحدى العائلات الثرية، عالم السيارات باكراً، وحصل على أول سيارة أستون مارتن له في عام 1934، عندما كان يبلغ من العمر 24 عاماً فقط. وسرعان ما أصبح جوك، الذي كان أحد وسطاء البورصة الناجحين، جزءاً من فريق أستون مارتن، حيث قدّم مساعدة مهمة للعلامة في عمليات التطوير والاختبار.

وخدم جوك خلال الحرب لدى جهاز المكتب الخامس البريطاني، وشملت مهامه المختلفة نقل ضباط وعملاء المكتب، والعملاء المزدوجين، وجواسيس العدو الذين تم إلقاء القبض عليهم بالسيارة من مكان إلى آخر بسرعة كبيرة. وكان ذلك مذهلاً لأن هورسفول كان يعاني من انحراف وقصر شديد في النظر، ومع ذلك فقد كان يكره ارتداء النظارات الطبية لتصحيح بصره.

كما شارك جوك في اختبار أمن المواقع البحرية والمطارات، وكان مطلعاً على قدر كبير من المعلومات بالغة السرية. وتمثلت أشهر أنشطته "السرّية" في دوره كسائق خلال عملية مينسميت، والتي شهدت تنفيذ عملية خداع ناجحة لقوات المحور بهدف إخفاء هجوم الحلفاء على صقلية في عام 1943.

ومن المثير للاهتمام، بأنه يُعتقد أن هذه العملية السرية مستوحاة من مذكرة مفصّلة عن تكتيكات خداع العدو والتي كتبها عام 1939 الأدميرال جون غودفري، مدير شعبة الاستخبارات في البحرية الملكية البريطانية، ومساعده الشخصي الملازم أول إيان فليمنغ.

وخلال مشاركته في سباق جائزة بلجيكا الكبرى للسيارات الرياضية، نجحت السيارة التي يقودها جوك بالوصول إلى خط النهاية قبل مجموعة من السيارات المنافسة التي حملت علامات فريزر ناش وبي إم دبليو وألفيس؛ ما شكّل فوزاً مهماً بالنسبة للسيارة القديمة.

وكانت سيارة السباق، التي بلغ وزنها 800 كيلوجرام، مزودة بمحرك رباعي الأسطوانات مع عمود كامة علوي سعة 1950 سنتمتر مكعب بقدرة تبلغ حوالي 125 حصاناً. ووصلت سرعة السيارة ذات الهيكل بتصميم مفتوح والمزود بمقعدين مع أجنحة منفصلة إلى 120 ميلاً بالساعة.

ولكن حتى الفوز في بلجيكا لم يكن أهم انتصارات هورسفول، والذي جاء بعد ثلاثة أعوام عندما احتل المركز الثاني في فئته، والرابع على مستوى التصنيف العام في سباق سبا 24 ساعة لعام 1949، مع سيارة سبيد موديل من أستون مارتن. وتتمثل روعة هذا الإنجاز في أنه وعلى الرغم من أن باول فيرير شارك كسائق مساعد، فقد اختار هورسفول قيادة السيارة بمفرده طوال فترة السباق البالغة 24 ساعة.

وللأسف، توفي هورسفول بعد أكثر من أربعة أسابيع بحادث أثناء سباق كأس نادي سائقي السباقات البريطانيين لعام 1949، والذي أقيم في حلبة سلفرستون بالمملكة المتحدة. ويحظى هورسفول بمكانة رفيعة بين مالكي وعشاق سيارات أستون مارتن، حيث ينظم نادي مالكي سيارات أستون مارتن سباقاً سنوياً تحت اسم كأس سانت جون هورسفول التذكاري تكريماً لذكراه.

خمسينات القرن الماضي
شكلت خمسينات القرن الماضي فترة مميزة جداً بالنسبة إلى أستون مارتن. فقد كان مالك الشركة السير ديفيد براون، والذي استحوذ عليها في عام 1947 قبل إضافة علامة لاجوندا إليها خلال وقت لاحق من ذلك العام، يعمل بشكل حثيث على ابتكار سيارات رياضية بريطانية تتميز بتصميمها الأنيق وجاذبيتها المتنامية.

وكان السير براون يدرك أهمية سباقات السيارات في تحقيق النجاح التجاري للعلامة، ووضع في عام 1955 خطة جريئة لبناء سيارات يمكنها المنافسة بقوة في بطولة العالم للسيارات الرياضية وبطولة العالم للفورمولا 1 التي كانت حديثة العهد نسبياً في ذلك الوقت.

وتركز كتب التاريخ على إنجازات سيارة دي بي آر 1 وفوزها بسباق لومان، وسيارة دي بي 3 إس التي سبقتها. ولكن يمكن اعتبار المشروع الأولي لسيارة دي بي 155 المزودة بمقعد واحد مشروعاً منح العلامة فرصة لاكتساب خبرات مهمة، حيث شكلت نموذجاً رائداً لسيارات سباقات الجائزة الكبرى التالية في خمسينات القرن الماضي. وعلاوة على هذا المشروع، بدأ السير براون العمل على بناء محرّك جديد، وسيارة جديدة مخصصة للطرقات والتي ستصبح فيما بعد سيارة دي بي 4، التي تم إطلاقها في تلك الفترة. وعلى الرغم من اختبارها في عام 1957، إلا أنها لم تدخل عالم السباقات حتى العام 1959 عندما شاركت في سباق كأس نادي سائقي السباقات البريطانيين العالمي، والذي أقيم وفقاً لقواعد سباقات الفورمولا 1 في حلبة سلفرستون خلال شهر مايو من ذلك العام.

وشهد السباق منافسة قوية بين سيارتين، حيث جاءت السيارة التي تحمل الرقم 1، ويقودها روي سالفادوري الفائز بسباق لومان 24 ساعة، في المركز الثاني بعد جاك برابهام الذي قاد سيارة كوبر-كلايماكس تي51. وتم تزويد سيارة دي بي آر4/250 بمحرك آر بي 250 سداسي الأسطوانات سعة 2493 سنتمتر مكعب مع حوض تشحيم جاف، والمستمد من التصميم الأساسي لمحرك سيارة دي بي آر 1 الرياضية. وبلغت قدرة سيارة دي بي آر4/250 المزودة بمقعد واحد 256 حصاناً، ووزنها 575 كيلوجرام.

وعلى الرغم من قيادتها من قبل ألمع السائقين في ذلك الوقت مثل سالفادوري وكارول شيلبي، إلا أن سيارة دي بي آر 4 كانت بعيدة عن المنافسة مع السيارات الجديدة ذات المحرك المتوسط، وأخفقت في مجاراة الإنجازات التي أحرزتها سيارة دي بي آر 1 في مجال سباقات سيارات فورمولا 1. وبعد الظهور المخيب للآمال لسيارة دي بي آر 5 بالمقارنة مع سابقتها، انسحبت أستون مارتن من سباقات السيارات عالية السرعة والمزودة بمقعد واحد في عام 1960.

العقد الثاني من القرن الحالي

خلال الأعوام الأخيرة، وبعد انقطاع يزيد عن نصف قرن من الزمن؛ عادت أستون مارتن إلى حلبات الفورمولا 1 حول العالم، حيث أصبحت الراعي الرئيسي والشريك التقني لفريق ريد بول ريسينج، وهي علاقة امتدت لتشمل سيارة أستون مارتن فالكيري الخارقة والتي من المقرر أن تدخل مرحلة الإنتاج في عام 2021.

وتستعد علامة السيارات الفاخرة حالياً للعودة إلى عالم سباقات الفورمولا 1 من خلال فريق أستون مارتن للفورمولا 1، والذي سيشهد مشاركة العلامة في سباقات الفورمولا 1 للمرة الأولى منذ فترة تزيد عن 60 عاماً، ومواصلة إرثها العريق الذي بدأه مؤسسا العلامة ليونيل مارتن وروبرت بامفورد.

وبهذه المناسبة، قال لورنس سترول، الرئيس التنفيذي لمجلس إدارة أستون مارتن: "تمثل عودة أستون مارتن إلى عالم سباقات الفورمولا 1، والتي تستند إلى تاريخ العلامة العريق والحافل في هذه الرياضة، لحظة مميزة جداً بالنسبة لنا جميعاً في هذه العلامة المرموقة للسيارات البريطانية الفاخرة. وتشكل سباقات فورمولا 1 الميدان الأمثل لعلامة أستون مارتن، والموقع المناسب لها. وأنا على ثقة تامة من أن المرحلة القادمة من تاريخ السباقات سيكون حافلاً بالمتعة والتشويق بالنسبة لعشاق أستون مارتن وسباقات الفورمولا 1 حول العالم".