الخبير العالمي سيمون سينك: دولة الإمارات مصنع للخبرات العالمية وفنون القيادة

الأربعاء 13 شباط 2019

الخبير العالمي سيمون سينك: دولة الإمارات مصنع للخبرات العالمية وفنون القيادة

هل تعتقد أن خبرتك وعملك في دولة الإمارات ضمن سيرتك الذاتية أهم من الخبرة التي اكتسبتها من العمل لدى أكبر الشركات العالمية؟ سؤال مفاجئ للبعض سمعنا إجابته اليوم على لسان سيمون سينك، الخبير العالمي في القيادة والمؤسسات الدولية، خلال مشاركته في جلسة رئيسية بعنوان "ما هي وصفة القيادة المسؤولة؟" حاوره فيها سعيد القرقاوي مدير أكاديمية دبي للمستقبل، وذلك ضمن جلسات اليوم الختامي للقمة العالمية للحكومات.

ففي ثمانينات وتسعينيات القرن الماضي، كانت السير الذاتية التي تشتمل خبرة عملية في الشركات العالمية هي الأكثر طلباً، أما اليوم فالسيرة الذاتية التي تضمن خبرات عمل في دولة الإمارات هي التي سيسعى إليها الباحثون عن المواهب والكفاءات.

هذا ما عبر عنه مؤلف كتاب "ابدأ مع لماذا" أحد أكثر الكتب مبيعاً، والذي أشار إلى أن دولة الإمارات دولة تنافسية لا تسعى للتغلب على أحد، بل تسير على طريق الحداثة والتقدم بشكل فريد. وأنها تضع بناء القيادات وتمكين الشباب واستشراف المستقبل.

وأضاف سيمون سينك: "لم أرى في أي مكان آخر في العالم هذا التركيز على بناء المستقبل، هذا التركيز على تمكين الشباب، التركيز على فهم الدور الحقيقي للقادة، لقد عرفت جاك ويلش وكان مصنعاً للقيادات. اليوم أعتقد بأن دولة الإمارات لديها القدرة على صناعة قادة القرن الـ 21، وأن أهم منتج ستقدمه للعالم هو كيفية بناء الحكومات والمؤسسات، وأننا في المستقبل سننظر للإمارات كمصنع لفنون القيادة".

اللعبة المتناهية

 


 

وبدأ سينك حديثه بشرح الفرق بين اللعبة المتناهية التي لها قواعد واضحة وتنتهي في فترة زمنية معينة واللعبة اللامتناهية، أو كما سماها، الأزلية المستمرة دون توقف والتي لا قوانين تحكمها.

وضرب مثلاً بالحرب الأمريكية الفيتنامية، موضحاً بأنه ميدانياً، فيتنام تعرضت لخسائر أكثر بكثير من الولايات المتحدة في تلك الحرب، ومع ذلك فقد انتصرت فيتنام، موجهاً السؤال بكيف حدث ذلك؟ سيمون سينك وضح بأن الإجابة تعتمد على مفهوم الفوز والخسارة، مبيناً بأن الولايات المتحدة خسرت اللعبة اللامتناهية فهي كانت تحارب للانتصار أما فيتنام كانت تحارب من أجل الحياة، وتلك خيارات استراتيجية مختلفة تماماً.

وقال سيمون سينك: "في السياسات الحكومية لا يوجد رابح، أي بمعنى انتهاء اللعبة، والوضع نفسه كذلك بالنسبة للأعمال. فهي اللعبة اللامتناهية والمستمرة وتنتهي فقط في حالة الهزيمة، موضحاً بأن تبني الابتكار والإبداع ضرورة، لأنه في حال العقلية الثابتة في اللعبة الأزلية، يمكن أن تفقد الثقة ويؤدي ذلك إلى فقدان الإرادة على الاستمرار.

خمس أسباب للنجاح

 


 

وحدد سيمون سينك خمس أسباب للنجاح المستمر وهي: "وجود سبب أو قضية عادلة، ووجود فريق عمل مخلص وموثوقة، ووجود خصم جدير، والمرونة، والشجاعة في مواجهة مختلف التحديات".

وفي شرحه للأسباب قال سينك: "القضية العادية هي تلك التي نحن على استعداد للتضحية من أجلها، مثلاً، وظيفة براتب أقل وتوفر الاحتياجات الأساسية للحياة ولكنها تمنح الاستقرار والمحبة والاحترام. وعلى كل قائد للعبة الأزلية أن يوفر هذا الإحساس لشعبه. ضارباً المثل بستيف جوبز مؤسس شركة آبل العالمية والذي ضحى بالكثير من أجل قضيته أوصل شركته إلى ما هي عليه الآن".

اختلافات وتباينات

 


 

وحول موثوقية الفرق، قال: "كنت في رحلة عمل وكنت في فندق جميل ليس لفخامته بل لمرح العاملين فيه الذي يقولون مرحباً من قلوبهم، كان هناك رجلاً اسمه نوح استمتعت بشراء القهوة منه، وسألته هل تحب وظيفتك ودون أي تأخير قال اعشق وظيفتي، وهنا الإعجاب شيء والحب شيء آخر فهي معايير مختلفة، وقال له بأن المدراء يمرون كل يوم ويسألون عن حاله ويقفون معه، في حين أعمل في فندق آخر ولكن سؤالهم ليس عني وإنما عن مبيعاتي وأدائي".

وأضاف سينك: "هو نفس الإنسان ولكن مستوى الأداء مختلف بسبب بيئة العمل، بسبب أنماط القيادة، بسبب بيئة تخرج أفضل ما لدى الإنسان، إذا الفريق الموثوق هو الذي يشعر بالثقة تجاه قيادته، فريق يعرف رؤية المؤسسة وهدفها ورسالتها. ودائماً يجب معرفة أنه لن تحقق الرؤية بالكامل لأنها لعبة أزلية ومستمرة التطوير".

وأشار سينك أن الفريق القوي هو الذي يضم قيادة قوية تحفزه وتجعل من عناصره أفراداً يرفضون بكل ثقة ترقية هم لا يستحقونها، يتحدثون عن أي خطأ ارتكب ويجب إصلاحه، وعكس ذلك فإن الفريق السيء هو الذي يضم قادة يدفعون الناس للكذب وإخفاء الأخطاء بما يؤدي إلى عدم الثقة وتراكم الأخطاء وانهيار المؤسسات".

المنافسة والمرونة

 


 

وحول الخصم الجدير أوضح سينك ضرورة إيجاد منافس يحفز الإنسان، خصم يمتلك نقاط قوة لا يمتلكها الآخرون، فقيمة الخصم تكمن في التحفيز وكشف نقاط الضعف، والهدف ليس التفوق عليهم بل كشف العيوب ونقاط الضعف لمعالجتها والاستمرار في المسيرة اللامتناهية، فالتنافسية تدور حول الفوز، ولكن الخصومة تتمحور حول التنافسية والاستمرار.

وفيما يتصل بالمرونة، ضرب سينك مثلاً في تحول ستيف جوبز من أنظمة التشغيل والبرمجة إلى التركيز على إمكانية استخدام الفأرة في واجهة التطبيق، فقد كان هذا التحول ثورياً. فالاستثمار في اتجاه استراتيجي أفضل من الاستمرار في استراتيجية غير ناجحة، حتى لو كانت مكلفة وباهظة. فالمرونة الوجودية هي القدرة على التحول الاستراتيجي والجذري، البعض يرى التحول مخاطرة، ولكن المبدعين يرون البقاء في نفس المسار جنوناً، وإذا لم تكن الحكومات والشركات جاهزة مراجعة استراتيجياتها وتعديلها، فالميدان والجمهور والوقت سيجبرها على ذلك.

تحديات القيادة

 


 

وفي نهاية الحوار بين سيمون سينك أن القيادة صعبة كالدور الأبوي، وتتطلب أيضاً كبح الغرور الشخصي واستيعاب غرور الآخرين. ونوه إلى أن بعض القادة لا يشاركون المعلومات مع من هم أصغر منهم سنا أو منصباُ، معتقدين بذلك بأنه من إجراءات الأمن الوظيفي، ولكنه في الحقيقة هو ما يسهم في إضعاف المؤسسة. وقال: "نشهد اليوم ضعفاً في إعداد الشباب لمرحلة ما بعد التخرج، ومهارات القيادة هي المفقودة والتي يجب التركيز عليها. ومن جهة أخرى يجب تقدير جهود القيادة، فالمال الذي نكسبه ننفقه ونكسبه من جديد. ولكن الوقت والطاقة لا يمكن استعادتهما. القائد تقع عليه مسؤولية منح أعضاء فريقه الفرصة والوقت والطاقة.

وأكد سينك أنه سئم من المستشارين الذين يقولون أن الأفراد يخافون من التغيير. وقال: "الناس لا يخافون من التغيير كمبدأ، وإنما من التغيير المفاجئ. فالتغيير التطوري التدريجي في الحكومات يكون مناسباً، وعلى القادة رسم المستقبل بطريقة واضحة لكي يفهم الناس دورهم في ذلك المستقبل. الرؤية ليست رقماً والقادة من أصحاب الرؤى لا يتحدثون بصيغة الحاضر بل بصورة المستقبل ولديهم القدرة على جعل الناس يحسون بهذه الرؤية ويشاهدونها. نريد من القادة والشعوب والمدراء والموظفين أن يحددوا قيمهم وثقافتهم لينضم الناس لهم. فالمؤسسات تبنى على القيم، والإنتاجية لا تتقدم على القيم.