المهارات المتقدمة...تعليم يتخطى الحدود

الثلاثاء 12 شباط 2019

المهارات المتقدمة...تعليم يتخطى الحدود

أكد معالي الدكتور أحمد بن عبد الله حميد بالهول الفلاسي، وزير الدولة لشؤون التعليم العالي والمهارات المتقدمة، بأن المرحلة المقبلة من عمر البشرية تفرض ترسيخ المهارات المتقدمة كمنهج حياة ووسيلة رئيسية لبناء المستقبل، وذلك من خلال تفعيل القدرات الكامنة للأفراد في المجتمعات، وتعزيز جاهزيتهم للمتغيرات القادمة، مؤكداً بأن المستقبل يعتمد على الكفاءات القادرة على التصدي لمتغيراته وتحويلها إلى فرص تسهم في عملية التنمية المستدامة

وقال معاليه: "علينا تكثيف الجهود نحو دمج المهارات المتقدمة في كافة مضامين العملية التعليمية، وتكريس التعلم مدى الحياة كركيزة محورية لتحقيق التنمية البشرية، بهدف الوصول إلى مجتمع معرفي متقدم، وهذا الأمر يحتاج إلى توجيه بوصلة السياسات الحكومية وتعميق التعاون بين القطاعين الحكومي والخاص نحو إيجاد المنصات والمبادرات التي تستثمر في المهارات المتقدمة، لأن هذه المهارات هي الضامن للكفاءات في مواجهة تحديات المستقبل، وهي عامل محفز لاستمرار تطور الفرد وتنميته والمضي قدماً في رحلة التعلم مدى الحياة."

وجاءت تصريحات معاليه خلال جلسة "المهارات المتقدمة.. تعليم يتخطى الحدود" ضمن أعمال القمة العالمية للحكومات. حيث جمعت الجلسة نخبة من القياديين والأكاديميين والخبراء، لبحث مستقبل المهارات المتقدمة وسبل ترسيخها في المجتمع في ظل التغيرات التي يشهدها العالم.

وشارك في الجلسة كل من معالي ماري متشل أوكونور، وزيرة دولة لشؤون التعليم العالي في إيرلندا، وهيفاء نجار، عضو في مجلس الأعيان الأردني، وهيكتور ايسكاميلا رئيس جامعة تيكميلينيال في المكسيك، ود.فريد سوانيكر مؤسس الأكاديمية الأفريقية للقيادات، بالإضافة إلى جون هيرليهي رئيس منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأمريكا اللاتينية في لينكد ان.

وأكد معالي الفلاسي خلال الجلسة على أهمية وضع المهارات المتقدّمة في صدارة أولويات العمل التنموي، في ظل ما يشهده سوق العمل من تغيرات سريعة نتيجة الثورة الصناعية الرابعة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، مشيراً معاليه إلى دراسة جامعة أكسفورد التي توقعت أتمتة 47% من الوظائف، ودراسة «المنتدى الاقتصادي العالمي» التي بينت أن 64% من الطلبة سيشغلون وظائف جديدة في المستقبل ليست متاحة في وقتنا الحاضر.

سياسات دامجة للمهارات المتقدمة


وناقش المشاركون الآليات والعوامل الممكنة التي بوسع الحكومات تبنيها لتقديم سياسات دامجة للمهارات المتقدمة على كافة المستويات الدراسية والمهنية، وسبل تشجيع الحكومات على الخروج بتشريعات لتضمين المهارات المتقدمة كمنهج استراتيجي لتطوير مهارات الأفراد، وضمان استمرارية رحلة التعلم مدى الحياة للجميع.

كما بحث المشاركون إمكانية إيجاد طرق جديدة من قبل المؤسسات الأكاديمية والتعليمية، والتي تتضمن دمج المهارات المتقدمة بشقيها التقني والشخصي في المناهج والبرامج التعليمية المختلفة، مؤكدين على أن المسؤولية تقع على الجميع من حكومات ومؤسسات علمية وأكاديمية في اعتماد المهارات المتقدمة كوسيلة لتنمية الانسان وتطويره.

ونوه المشاركون إلى أن هناك الكثير من الأمثلة حول العالم من شركات ومؤسسات تتبنى طرق جديدة ومبتكرة في التوظيف، حيث تنظر إلى المهارات كمقياس لاستعداد الفرد لسوق العمل. وضربوا بعض الأمثلة من شركات "غوغل" و "آبل" و "أي بي أم"، حيث باتت هذه الشركات تنظر إلى المهارات كمقياس لتوظيف الموارد البشرية، عوضاً عن الشهادات.

تبني المهارات المتقدمة


وتحدثت معالي ماري متشل أوكونور عن تجربة ايرلندا في تبني المهارات المتقدمة من خلال تشكيل مجلس المهارات الوطني، والذي عمل بالتعاون مع الجهات الحكومية والقطاع الخاص والمؤسسات الأكاديمية والتعليمية، على تجسير الفجوة بين مخرجات العملية التعليمية والمهنية ومتطلبات سوق العمل التي تتغير باستمرار.

ونوهت معاليها إلى أن برامج المهارات المتقدمة التي تبنتها ايرلندا ساهمت في خفض نسبة البطالة من 15% إلى 5%، والفضل يعود في ذلك إلى مجموعة من الأدوات والمنهجيات التي ساهمت في تزويد الكفاءات والموارد البشرية بالمهارات التي تمكنهم من التكيف مع وظائف جديدة، وتعزيز جاهزيتهم لفرص العمل المستقبلية على كافة المستويات.

وشددت معالي أوكونور على ضرورة العمل المشترك وتقاسم المسؤولية بين الجهات الحكومية والخاصة والمؤسسات التعليمية والأكاديمية والمجتمع في ترسيخ ثقافة المهارات لوصول إلى مجتمع واقتصاد المعرفة.

برامج مرنة في المؤسسات التعليمية


وفي ذات السياق، تحدث هيكتور ايسكاميلا رئيس جامعة تيكميلينيال في المكسيكعن ضرورة إيجاد برامج مرنة في المؤسسات التعليمية والأكاديمية، تستهدف كافة أفراد المجتمع، وتتميز هذه البرامج بكونها قادرة على التأقلم بسرعة مع المتغيرات مهما كانت، وتساهم في الوقت نفسه في ردم الفجوة بين مهارات الخريجين ومتطلبات سوق العمل، مؤكداً على أهمية إجراء تحليلات ودراسات بوتيرة مستمرة للتوجهات المستقبلية وتشخيصها، ومواءمة البرامج معها.

وأضاف ايسكاميلا بأنه يجب الابتعاد عن النظرة الكلاسيكية للجامعات والمؤسسات التعليمية على أنها مؤسسة للتحصيل الأكاديمي فقط، بل يجب النظر لها كبداية رحلة تعليمية تستمر مدى الحياة، عمادها منهج جديد مرن يركز على وضع المهارات كأولوية لنا كبشر، مهما كانت الدرجة التعليمية التي حصلنا عليها، وعلينا المضي في هذه الرحلة بعزيمة وإصرار للتغلب على تحديات المستقبل. 

استثمار البيانات الضخمة


كما صرح جون هيرليهي من "لينكد ان" بأنه حسب التحليلات التي يجريها الموقع، تبين بأن الموظفين ذوي المهارات الموائمة هم الأسرع في التوظيف، موضحاً بأن متطلبات سوق العمل بشقيه الحكومي والخاص تتغير باستمرار بغض النظر عن المنطقة، وعلى الراغبين في إيجاد وظيفة ملائمة اكتساب المهارات التي تمكنهم من المنافسة عليها.

ونوه بأن لدى "لينكد ان" تعاون مستمر مع الحكومات لإيجاد سياسات دامجة للمهارات المتقدمة، وبالتحديد المهارات الشخصية أو "الناعمة، والتي يتطلب اتقانها فترة أطول من المهارات التقنية، مشدداً على أهمية  استثمار البيانات الضخمة في تطوير السياسات العامة نحو ثقافة دامجة للمهارات، ومتوائمة مع متطلبات سوق العمل.

إعادة تعريف التعليم


وشددت هيفاء نجار على ضرورة إعادة تعريف التعليم، وتغيير المنظور الحالي للعملية التعليمية، والانطلاق نحو فضاءات جديدة يكون فيها مفهوم التعلم أقوى من مفهوم التعليم، والانتقال من التعليم الآني إلى التعلم مدى الحياة. وأضافت بأنه يجب النظر إلى المدارس والجامعات على أنها مراكز ابداع وابتكار، وتتبنى منهج التأقلم بوتيرة متسارعة، مع ضرورة إضافة البعد الاجتماعي للمدارس والجامعات، وتحويلها إلى منصات آمنة لطلبتنا لإطلاق العنان لخيالهم وابداعاتهم.

وأكدت على ضرورة إعادة تصميم النظام التعليمي لكي يكون جاهزاً للمستقبل، مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار بأن الابتكار المجتمعي هو جزء محوري من تطوير النظام التعليمي.

تبني مقاربات عملية للمهارات المتقدمة


وأكد فريد سوانيكر مؤسس الأكاديمية لأفريقية للقيادات على ضرورة  تبني مقاربات عملية للمهارات المتقدمة، تضمن بأن تكون الجامعات  جزءاً محورياً من منظومة تزويد الكفاءات والأجيال بهذه المهارات، وتطويرها بشكل مستمر، والمضي قدماً في رحلة التعلم مدى الحياة للجميع، مشدداً على أهمية الاستثمار بالمهارات المتقدمة، وتطوير الأدوات التي تمكن الأفراد من اكتسابها.

وعلى هامش الجلسة، جرى توقيع مذكرة تفاهم من قبل معالي الدكتور أحمد بالهول الفلاسي، ومعالي ماري أوكونور، بهدف تعميق التعاون في مجال تطوير المنظومة التعليمية وتحديد مسارات المهارات المتقدمة، والعمل المشترك نحو إيجاد المبادرات والنشاطات التي ترسخ ثقافة المهارات المتقدمة لدى الأفراد والمجتمعات، بالإضافة إلى تبادل الخبرات وأفضل الممارسات في هذا المجال.