الادخار أساس السعادة المالية

الخميس 24 آب 2017

الادخار أساس السعادة المالية

 

محمد قاسم العلي

الرئيس التنفيذي لشركة الصكوك الوطنية

 

 في الاقتصاد الحديث، تتوجه معظم المدخرات إلى المؤسسات المصرفية والمالية في شكل ودائع أو صكوك أو بمقابل شراء أسهم، وتعمل هذه المؤسسات على استثمار هذه المدخرات في قطاع الإنتاج، فيما يبقى جزءاً من المدخرات خارج الدورة النقدية مثل الأموال التي تبقى بيد أصحابها في شكل سيولة أو بعض المواد التي لا تتغير قيمتها مثل الذهب، ولا تشكل هذه الأموال أي دور اقتصادي نافع حيث لا تدخل ضمن مجال الاستثمار، وهو ما يكوّن الاكتناز.

 

وترتكز عملية الادخار أساساً على دعامتي القدرة والرغبة الادخارية، فالأولى هي قدرة الفرد على تخصيص جزء من دخله من أجل المستقبل، وتحدد بالفرق بين حجم الدخل وقيمة الإِنفاق، وتتوقف على نظام معيشة الفرد وسلوكه، لذا فإن القدرة الادخارية هي مسألة نسبية تختلف من فرد لآخر، أما الرغبة الادخارية فهي مسألة نفسية تربوية تقوى وتضعف تبعاً للدوافع التي تدعو للادخار ومقدار تأثر الفرد والطبقات الاجتماعية بهذه الدوافع، ومن أهمها الرغبة في تنظيم النفقات تبعاً للمتغيرات – الدخل أو الحاجة على حد سواء – أو الرغبة في تكوين الثروات.

وتحدد عدة مؤثرات رئيسية نشاط هذه الدوافع مثل الدخل ومعدل الفائدة والنظام المالي ودرجة الاستقرار الاجتماعي والنظام المالي، فهذه العوامل لها تأثير مباشر على زيادة الرغبة الادخارية داخل المجتمع، وفي أعقاب الأزم المالية العالمية عام 2008، اتجهت العديد من الحكومات والمؤسسات المالية الكبرى إلى تبني سياسات وبرامج ادخارية تعتمد على تحفيز الرغبة الادخارية، وتأخذ بعين الاعتبار هذه المؤثرات كعوامل جذب للمدخرين، كأحد مصادر الأموال المستقرة أو طويلة الأجل التي تمكن الدولة والمؤسسات المالية من الاعتماد عليها في أنشطتها التمويلية طويلة الأمد، وتنميتها داخل الاقتصاد القومي، وقابل ذلك زيادة في مستوى الوعي المجتمعي بمبادئ الادخار والانفاق الرشيد.

وبالنسبة لدولة الإمارات، فقد سمحت البرامج الادخارية المتعددة التي تبنتها المؤسسات المالية، في تعزيز تمويل الخطط التنموية والتحول نحو الاقتصاد الاجتماعي بما يعنيه هذا المفهوم من مشاركة ومسؤولية اجتماعية من قبل الأفراد والمؤسسات.

 

ومؤخراً، أصبح المجتمع الإماراتي أكثر وعياً بأهمية ثقافة الادخار واتباع ممارساته مقارنة بالسنوات السابقة، ويتضح ذلك جلياً من خلال الإقبال المتزايد على المنتجات الادخارية، وبالمقارنة مع الأسواق الناشئة نلاحظ تحسناً كبيراً في معدلات الادخار في الدولة. وأظهرت نتائج مؤشر الادخار الخاص بدولة الإمارات العربية المتحدة لعام 2016، والذي أطلقته شركة "الصكوك الوطنية" تزايداً ملحوظاً في الميل إلى الادخار بنسبة 19% عن العام الماضي، وسط ردوداً إيجابية حول الاستقرار المالي في الدولة، وكشف المؤشر ارتفاع عدد المدخرين المنتظمين بنسبة 4% عن العام الماضي، فيما يسعى 64% من المدخرين إلى زيادة مدخراتهم مستقبلاً.

لقد أظهر التطور الاقتصادي أهمية المدخرات الصغيرة المنتظمة، ولا سيما عقب نمو الدخول للفئات المتوسطة، وإِذا كانت أهمية الادخار تنبع أساساً للاستثمار، سواء للفرد أو للدولة فهي أشد وضوحاً وأكثر إِلحاحاً في مراحل التنمية والتطور، عنها في الظروف العادية، ففيما يتصل بالفرد تهيئ هذه المدخرات عوامل الأمان للمستقبل، من خلال إِيداعها واستثمارها في أحد الأوعية الادخارية أو الاستثمارية ليتحصل منها على عائد مجز إما لمواجهة مطالبه المتزايدة أو زيادة مدخراته واستثماراته.

ومن هذا المنطلق، تبنت شركة الصكوك الوطنية برامج الادخار والاستثمار المبتكرة التي تتماشى مع متطلبات قاعدة العملاء المتنوعة، وتوفر عائدات على المدى البعيد بأقل قدر من المخاطر، باستثمارات يتركز معظمها داخل دولة الإمارات بما يضمن المساهمة القوية والمستدامة في الاقتصاد والمجتمع والبيئة، والتي شهدت نمواً قوياً ونتائج مالية ممتازة عززت من التقدم اللافت الذي أحرزته الشركة خلال الأعوام القليلة الأخيرة نظراً لالتزامها الاستثمار منخفض المخاطر واستراتيجية المحافظة على الثروات والرساميل، بهدف تحقيق السعادة المالية من خلال تبني النهج الادخاري، بما يتماشى مع الأجندة الوطنية لدولة الإمارات، والتزاماً برؤية القيادة الرشيدة في تحويل الإمارات إلى أسعد دولة في العالم.