جدّي وجدّك!

الخميس 30 حزيران 2016

جدّي وجدّك!

 

في خضم انشغالي بروتينيات رمضان، بما فيها تشغيل التلفاز – الذي لا أتوقع من برامجه الكثير على كل حال - للتأكد من انطلاق أذان المغرب، لفتني برنامج قصير يمر للأسف مرور الكرام، إلا أنه باعتقادي ذو فحوً هام جداً.

 

بينما تتخبط زوايا عالمنا العربي في نزاعات وصراعات مختلفة، قد ننسى – او نتناسى – امر أولئك الذين يفرون من تلك الحروب آملين الوصول إلى بر الأمان لهم ولعائلاتهم وأطفالهم.

 

والوصول إلى البر هنا لا يعني بالضرورة عبور البحر قبله، فكثيرون، بل الملايين، قد تركوا بيوتهم في سوريا والعراق هرباً من اتون حرب لم يتوقعوا في يومٍ من الأيام وصولها إليهم.

 

الأمر صعب، صعب للغاية، وقد عبر عنه أحمد الشقيري بكلماتٍ من ذهب: الأمن والأمان. إن الطبيعة البشرية تميل إلى إغفال النعم إلى حين فقدانها، ولذا فإن فقدان الأمن، خصوصاً للنساء والأطفال والشيوخ، أمر يصعب على أي شخص احتماله. هنا، شدد الشقيري على أهمية تزكية الأمن الذي ننعم به كل يوم وقد لا نقدر قيمته إلا إن فقدناه، لا قدّر الله.

 

برنامج #بصمة_أمل الذي أشرف عليه الشقيري بالتعاون مع مفوضية اللاجئين، يطرح أموراً يجب عدم إغفالها أبداً، التهديد الذي يواجهه ملايين اللاجئون والنازحون داخلياً في منطقتنا، التهديد بعدم الاستقرار والعيش تحت خط الفقر والأهم من ذلك كله نشوء جيل كامل من الأطفال لا يعلم إلا الله كيف سيكون مستقبلهم.

 

لا أنوي هنا أبداً أن أقدم النصح حول الأخلاق والصلاح، لكنني أود أن ألفت اتباهكم جميعاً إلى شمولية "أزمة" اللاجئين – ولو أني لا أحبذ تسميتها بالأزمة .

 

لابد أن أي شخص لديه أقارب أو أصدقاء ممن يعيشون حالة اللجوء أو النزوح، ولابد أن جزءً يسيراً منا يعيش في بلدان تستقبل اللاجئين بحفاوة.

 

 

وما  هذا إلا بدليلٍ على ارتباط مصائرنا: ما سيؤول إليه حال اللاجئين في مستقبلٍ ليس ببعيد، سوف يؤثر بشكلٍ مباشر علينا وعلى أطفالنا. فإن لم نكن اليوم جزءً لا يتجزأ من الحلول، سنكون جزءً لا يتجزأ من عواقب وخيمة. وأترك الباقي لكم كي تستنجوه...

 

لفتتني قصة انفطر لها قلبي: أكبر معمّر في مخيم الزعتري بالأردن، ولابد أنه اكبر اللاجئين سناً في العالم. يا ترى، هل خطر في بالنا عندما شاهدنا هذه القصة الأهوال التي عاشها هذا المسن والتي دفعته إلى قطع الحدود سيراً على الأقدام لعشرات الكيلومترات؟ كم ثمينة هي الحياة! لابد أن الكثير منا قد تخيل والده أو جده في موقع ذاك المسن. يا إلهي كم هو صعب هذا الموقف، أن تضطر في آخر سنوات عمرك للفرار بجلدك إلى المجهول، لاتعرف ما يخبئه لك اليوم.

 

لاشك أنه قد استنفذ كل خياراته قبل الشروع في رحلة اللجوء التي قد تجرد الإنسان من إنسانيته. والله تذرف عيني الدموع كلما تذكرت وجه هذا الشيخ الذي لم يستطع جسده تحمل وقع الصدمة، فأصابه نوع من الشلل أبقاه في السرير، ولكن رزقه الله بإبنةٍ فاضلة تسهر على راحته، وأتمنى أن يكون - بالإضافة إلى الكثيرين من أمثاله – قد رزقه الله تعالى بأصحاب الكرم والووفاء ممن يجودون في سبيل الله وعباده المستضعفين.

 

وشكراً لحسن قراءتكم...

أحدث الأخبار السبّاقة