التوازن بين الحياة والعمل

الثلاثاء 16 شباط 2016

التوازن بين الحياة والعمل
 
 
تقول احد الامثال ان تربية طفل تتطلّب قرية بأكملها. إلا ان مدمن واحد على العمل قد يُفسد قرية بأكملها. ولا بدّ لهذا الامر ان يكون حقيقة ازلية حتى ولو اصبحنا في زمن حيث يطالب فيه الناس المنتجون بالتوازن بين الحياة والعمل.
 
 
وفي هذا الصّدد، تمّت العودة الى مقابلة سابقة مع بيل غيتس على BBC Radio 4 في Desert Island Discs حيث كشف انه في اوائل سبعينات القرن الماضي كان مأخوذاً للغاية في شركة مايكروسوفت ومساعيها لدرجة انه كان يعود مساءاً الى منزله بصحبة عمله ليقضيا الليلة سوياً. 
 
 
وقال غيتس انه كان يعرف ارقام لوحات سيارات الجميع في الشركة لدرجة انه كان يدرك متى كان الموظفون يأتون ويغادرون. وأقرّ انه كان مدمن عمل او بالأحرى متعصّباً لعمله لدرجة انه كان يعمل في نهاية عطلة الاسبوع ولم يكن يؤمن بالعطلات بشكل عام. إنه جوع المبتدئين ربما، او ربما انه هوس العمل! 
 
 
إلا انّ هذا الهوس الذي طارد غيتس لم يدم طويلاً لأنه في نهاية المطاف استسلم للراحة لانه تمكّن من تأسيس شركة بحجم مرموق من جهة، والتقى بزوجته الحبيبة ميليندا من جهة أخرى الأمر الذي قلب معادلته المعتادة. وأشار غيتس الى ان زوجته دخلت في الوقت المناسب الى حياته إذ وقعا في الغرام وأصبحا في صدد اخذ العطلات سوياً. 
 
 
فالناس لا يبحثون عن توازن الحياة والعمل لأنهم يريدون ان يكونوا في حالة لا توازن، وهذا اللا-توازن يشعرهم بالحياة لأنهم يقدمون التضحيات بشكل مستمر لبلوغ اهدافهم دون إدراك هذه الحقيقة المرة. وفور بلوغهم الأهداف المرجوّة يضمحلّ جوع المبتدئين الذي ذكرناه سابقاً وينتقلون بعدها الى حياة أكثر سلاسة ورخاء. 
 
 
وهنا، يقف الناس امام مفترقي طرق: الاول يقتضي بالمخاطرة بكلّ ما وصلوا اليه من اجل بلوغ النجاح او العظمة، والثاني يقتضي بالإلتزام بالتوازن بين المهنة والعائلة والواجبات الاجتماعية والاهتمامات الشخصيّة. 
 
 
ونلاحظ من خلال هذين المفترقين، ان الادمان على العمل او التوازن بين الحياة والعمل ليس إلا نتيجة مجهود شخصي وأفكار خاصّة يتحلّى بها الفرد. فالتوازن الفعلي لا يقوم على قاعدة عالمية موحّدة بل على المسعى الشخصي والحالة النفسية التي يمر بها الفرد.